الشكل التقليدي المعروف عن العمل منذ فجر التاريخ كان بمبادلة الجهد العضلي والوقت بالمال ومن قبله المقايضة بسلع لها قيمة، لاحقاً أصبحت هناك مهن فكرية يتم فيها مقايضة الخبرة والوقت بالمال، اليوم ومع انتشار الانترنت أصبح العمل الحر وسيلة جديدة تتيح لك الوصول لأسواق أوسع بدون أن تغادر غرفة نومك. اليوم سنتعرف على الإيجابيات والوجه الأبيض للعمل الحر.
في الأول من أيار مايو يحتفل العالم بعيد العمال، هذا النصر العظيم لطبقة العمال الكادحين التي تمكنت من تخفيض عدد ساعات العمل إلى ثمان ساعات يومياً، أوه .. ماذا قلت؟ نعم غالبية البشرية تفني ثلث عمرها على الأقل اليوم في العمل. وتعد فترة 9 صباحاً حتى 5 عصراً هي فترة العمل التقليدية لدى معظم الدول في القطاع الخاص.
لعله يكون واحداً من أهم الأسباب التي دفعتني للعمل الحر هي مرونة ساعات العمل، فهي غير محدودة بفترة زمنية معينة، لكن بنفس الوقت هذا لا يعني أنك تعمل ساعات أقل، بالعكس مع المرونة قد تعمل أكثر لكن في الوقت المناسب للعمل بالتالي ينعكس ذلك على الإنتاجية. المشكلة الرئيسية في طريقة العمل التقليدية أنك تقايض وقتك بالمال، يلاحظ هذا الأمر لدى القطاع العام والدوائر الحكومية حيث ينتظر الموظف ساعة الانصراف بفارغ الصبر، المهم هو تسجيل الحضور والانصراف على الموعد، بينما يركز العمل الحر على الإنتاجية الحقيقية بغض النظر عن الساعة التي قمت بها بعملك سواء فجراً أو عصراً.
ويتشابه العمل الحر مع ريادة الأعمال في أنك تعمل لصالح نفسك، لشركتك، تبني أصولك، لا لمدير أو صاحب المشروع عندما تكون موظف تقليدي، بالتالي كل جهودك تصب في إثراءك وبناء علامتك التجارية الخاصة.
والمرونة في ساعات العمل يتماشى معها مرونة في ضغط العمل أيضاً. فقد تجد نفسك في بعض الأيام منشغلاً أكثر من الطبيعي عندها تخفف عدد المشاريع التي تلتزم بها، في حين أيام أخرى يكون لديك وقت فراغ أكبر بالتالي تكون فرصة لعمل المزيد من المشاريع، هذا التحكم بضغط العمل يجعلك منغمساً بشكل مستمر بالعمل وبيدك كل السيطرة حيث يمكنك التوقف في أي لحظة أو منع قبول المزيد.
ولأنك تعمل لنفسك وبناء سمعتك وعلامتك التجارية فإن اهتمامك بجودة العمل مهم للغاية على ناحيتين، الأولى هي أن العميل يكون راض وبالتالي يتعامل معك مرة أخرى أو يوصي بك لشبكة علاقاته، والثانية هي أن الجودة تصبح من المعايير الأساسية في عملك التي لا ترضى التنازل عنها. على العكس من العمل التقليدي حيث أنك بكل الأحوال ستتقاضى راتبك حتى لو لم تلتزم بجودة عالية وأيضاً لن يكون لديك الدافع لتقديم هذه الجودة لأنها لن تكون محط اهتمام.
ستلاحظ مع مرور الوقت وعملك بشكل حر أنه ستعرض عليك مشاريع تحتاج خبرات لا تملكها حالياً، هنا ستكون لديك الفرصة لتطوير هذه المهارات الجديدة واكتسابها بدلاً من مجرد تجاهلها، وبعد تعلم تلك المهارات ستتمكن من قبول المشاريع الجديدة وتوسيع سوق عملك. العمل الحر يحفزك دائماً على التطور والتعلم المستمر لأنك تدرك أن أي تراجع أو تباطؤ فإن منافسيك سيتفوقون عليك. على عكس العمل التقليدي حيث الأمر روتين متكرر وخلال شهر من العمل في أي شركة ستتعلم كامل الإجراءات والتفاصيل وستقضي باقي السنوات القادمة تكرر ذلك.
العامل الحر يدرك أن الوقت هو أحد أهم أصوله فيحرص على استثماره بأفضل شكل ممكن، فلا داع لاجتماعات روتينية لا جدوى منها، وليس هناك وقت لساعات طويلة يقضيها بالرد على الرسائل البريدية الخاصة بالعمل، انما الوقت مقسم بشكل واضح ما بين العمل والإنجاز والمتابعة وتحسين المهارات.
وإن كنت تسكن في مدينة كبيرة كالرياض والقاهرة أو مدينة مزدحمة كدبي و أبو ظبي فإنك حتماً تعرف الوقت الطويل الذي تهدره من حياتك على الطرقات بين رحلتي الذهاب والإياب من وإلى العمل يومياً . انه وقت كبير للغاية .. سنوات من عمرك تضيع بلا انتاجية، في العمل الحر انت مستعد لبدء العمل خلال خمس دقائق من استيقاظك، هي الفترة التي تحتاجها لتناول كوب القهوة فقط.
وحرية العمل الحر والتحكم بكافة جوانبه تشمل كل شيء، فأنت تختار العميل الذي تريد التعامل معه، نوعية المشاريع وصعوبتها، اسلوب الدفع والعوائد المالية، المهارات التي تحتاج الاعتماد عليها وحتى المكان الذي ترغب العمل منه كالبيت أو المقهى أو المكتبة.
هذه الحرية في التحكم تجعلك تقوم بالتوازن على طريقتك بين الحياة والعمل وليس على طريقة السياسات والقوانين. فمثلاً تكون إجازة العمل التقليدي في الصيف قد ترغب بإجازة شتوية، أو قد ترغبها في بداية الصيف لتجنب الزحام، فيمكنك تكثيف العمل على المشاريع لحصد مبالغ تكفيك للتمتع بإجازتك مع عائلتك في الوقت الذي تريده. هذا على مستوى السنة، أما على مستوى اليوم فيمكنك التحكم أيضاً بساعات العمل وتوزيعها فإما تعمل في الصباح الباكر حيث الإنتاجية تكون أعلى في الأعمال الإبداعية، أو في المساء حيث الإنتاجية أعلى للأعمال الأكثر روتينية. لن تكون سجين الـ 9-5.
وعلى ذكر الأعمال الإبداعية، في دراسة لإحدى الجامعات الأمريكية تبين أن الطلاب الذين تقدموا لامتحانات المواد وهم يجلسون الوضعية التي يرغبون بها وكذلك يرتدون الملابس التي يفضلونها أدت لحصولهم على نتائج أفضل من أقرانهم الذين يرتدون الملابس التقليدية ويجلسون في مقاعد الدراسة. ومن يعمل من المنزل يدرك جداً تأثير العمل بالغرفة التي ترتاح بها حتى لو كانت المطبخ! وكذلك بالملابس التي ترتاح بها حتى لو كانت سروالاً قطنياً، بالنهاية المهم الإنتاجية وليس شكل لبسك في هذه الظروف.
أخيراً يمكنك البدء بتجربة العمل الحر بدون أية استثمارات أولية، المهم هنا خبرتك ومهاراتك لا شهاداتك، فلا داعي لقضاء أربعة سنوات من عمرك وانفاق آلاف الدولارات في الدراسة للتوظف في شركة، يمكنك قبل ذلك أن تعمل بشكل حر في المجالات التي تتقنها وتتوفر اليوم عدة منصات أجنبية كفريلانسر وعربية كخمسات ومستقل يمكن البدء معها والأمر مبشر أن هناك عدد لابأس به من الشباب العربي يعمل بهذا الشكل وأعمارهم تحت العشرين سنة، فتخيل كيف سيكون الحال عندما يصلون إلى الثلاثين.