في هذا الشهر، يناير 2022 تكتب نهاية حقبة بلاك بيري، وما أن نأتي على ذكر هواتف بلاك بيري، إلا ونشم معها عبق الذكريات، وبما أن لكل شيء نهاية، فمع بداية هذا العام يتم طي صفحة بلاك بيري وقفلها إلى الأبد، وأصبح مكانها فقط في ذاكرتنا وبين صفحات التاريخ. فما الذي حدث لهذه الشركة التي كانت عملاقة ومهيمنة في وقت من الأوقات على سوق الهواتف الذكية وتقنية المعلومات؟
قد يكون الإدراك المتأخر للتطور التقني السريع والرهيب في كل شيء، هو سبب نهاية شركات عملاقة مثل نوكيا ومؤخرا بلاك بيري، ويظل هذا مثال مهم وخطير للشركات الحالية بما فيهم آبل، إذ عليهم مواكبة عالم سريع التغير وعليهم التغيير معه ولا مجال للتعثر خطوة واحدة أو حتى الالتفات للوراء.
لقد كانت بلاك بيري يوماً ما مثل آبل اليوم، وقد كانت وجهة لمن يريد هاتف محمول متطور بأحدث التقنيات مع نظام أكثر أماناً.
وكانت مطلباً لأولئك الذين يسعون إلى حمل هاتف محمول بأحدث التقنيات مع نظام آمن، ولكثرة الإقبال على هذه الأجهزة أطلق عليها “كراك بيري” أو CrackBerrys، كناية على إدمانها وانتشارها في كل مكان في العالم، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالأعمال والأمن، وظل الأمر كذلك حيناً من الدهر، ثم ما لبث أن تغير كل شيء وكأنه لم يكن شيئاً مذكورا.
إذا ما الخطأ الذي حدث بالضبط لهذه الشركة؟ نحصر ذلك في العديد من المشاكل الكبيرة التي واجهتها ونرى كيف تعمل أبل بالمقارنة.
ثورة المستهلك
تعد آبل أحد أهم الأسباب الرئيسية التي ساهمت في فشل بلاك بيري، كما كانت أجهزة الأندرويد أحد الأسباب الرئيسية في نهاية نوكيا على المستوى الشعبوي. وقد أدرك قادة أبل شيئًا مهمًا للغاية بشأن سوق الهاتف، إذ حولته إلى صناعة استهلاكية.
من الصعب المبالغة في تقدير حجم مبيعات بلاك بيري التي تعتمد على سوق يعتمد على الأعمال التجارية، وكانت قد وصفت الشركة نفسها بأنها منصة آمنة ومحدّثة تحتاجها الشركات لأحدث الاتصالات.
وبمجرد أن بدأت أقسام تقنية المعلومات العمل مع أجهزة بلاك بيري، نتج عن ذلك الكثير من الزخم وزيادة الطلب عليها، واستخدمت هذه الأجهزة بكثرة، خاصة الإصدارات الحديثة منها، وكانت هذه الإصدارات سهلة ويسهل تعلم جديدها.
وينطبق الشيء نفسه على السوق الأكبر حيث المستهلك العادي، فكان الإقبال كبيرا، لكن الشركة ما زالت تركز على جانب الأعمال التجارية والشركات، مع قلة الاهتمام بما يريده المستهلك العادي الذي لا تعنيه هذه الأمور التجارية البحتة، ولكنه كان يقتني هاتف هو الأفضل ساعتها.
ولكن ابتداءً من أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت هناك حركة جديدة للهواتف الذكية تصب كل تركيزها على المستهلك، ووجدت هذه الشركات مبتغاها مثل أبل عندما قدمت هاتفها الثورة، الآي-فون الأول.
واتضح أن المستهلكين يحبون حقًا امتلاك هواتفهم الذكية الخاصة مع تطبيقات مخصصة لحياتهم العادية غير التجارية. ومع مرور السنين، حدث كل النمو الملحوظ من جانب المستهلك، ولم يكن بلاك بيري جاهزًا للتعامل مع هذا الأمر من منظور التسويق أو التصميم أو الإستراتيجية. ولقد فشلت في تطوير خدماتها الموجهة للمستهلكين مثل خدمات رسائل بلاك بيري BlackBerry Messaging Service، وسرعان ما طورت شركات مثل أبل أشياء للمستهلك كان من الصعب مجاراتها.
عالم أعمال متغير
تعرض أمان بلاك بيري الذي تم التباهي به كثيرًا للكثير من التدقيق. كان من المعروف أنه تم تصميم نظام التشغيل الخاص ببلاك بيري لمنع هجمات البرامج الضارة والحفاظ على خصوصية البيانات. لكن بعض الحكومات بدأت في المطالبة بالوصول الكامل إلى أنظمة بلاك بيري للمساعدة في تعقب المجرمين. بالإضافة إلى ذلك، هددت دول مثل الإمارات العربية المتحدة بحظر خدمات بلاك بيري ما لم تتمكن من الوصول إلى بعض المعلومات المشفرة.
وهذا الأمر كان له تأثير سيء على بلاك بيري، فما هي الحكومة التي قد ترغب في الاستمرار في استخدام أجهزتها إذا كان هناك احتمال أن تتمكن حكومة أخرى من اختراق تشفيرها؟ وبالمثل، بدأ قادة الأعمال في التساؤل عما إذا كانت الأجهزة عالية الحماية آمنة بالفعل، أم لا. ونتيجة لهذا الشك، جعل من السهل البحث عن خيارات أخرى أكثر تنوعًا أو بأسعار معقولة.
نقص الابتكار والتطبيقات
بدأت خيارات تصميم بلاك بيري في التقدم بشكل سيئ للغاية في مواجهة الابتكارات الجديدة من شركات الهواتف الأخرى وعلى رأسهم أبل وسامسونج إلى إل جي وحتى باناسونيك. وإذا قمت برسم مخطط مرئي لجميع هواتف بلاك بيري التي تم إصدارها في الفترة الزمنية من عام 2000 إلى عام 2010، فستلاحظ أن التصميمات تبدو أقدم وأكثر تشويشًا وأكثر إرباكًا من المنافسين.
حتى إنها استغرقت وقتا طويلاً لدعم شاشة اللمس الكاملة، إلا عدد قليل جداً مثل هواتف بلاك بيري Storm الشهيرة في عام 2008، حيث فضلت الشركة التمسك بلوحات المفاتيح المادية قدر الإمكان. كذلك العلاقة العدائية مع التطبيقات أدت إلى تفاقم الأمر.
كانت بلاك بيري تخشى أن يؤدي السماح للمستخدمين بتنزيل تطبيقاتهم الخاصة إلى تهديد أمن نظام التشغيل الخاص بها. وهذا يعني أنهم تأخروا أيضًا في تطوير متجر التطبيقات الخاص بهم، والذي كان محدودًا للغاية مقارنة بالعروض الهائلة على أجهزة iOS أو الأندرويد. وإذا كانت التطبيقات الشهيرة قد شقت طريقها إلى متجر بلاك بيري بداية، فغالبًا ما كانت تتعطل على شاشات بلاك بيري الأصغر نظرًا لأن معظمها تم تطويرها باستخدام شاشات لمس أكبر.
أظهرت أبل، على وجه الخصوص، أنه يمكن إدارة متجر التطبيقات بطريقة تعمل على تحسين الأمان مع السماح للمستخدمين بتنزيل ما يحلو لهم من التطبيقات. وبدأ المطورون الذين يعملون على تطبيقات صديقة للأعمال في استهداف منصات أبل وأندرويد بدلاً من إهدار الوقت في تطوير أي شيء لنظام التشغيل BlackBerry OS الأكثر صعوبة. وبدأت الحكومات، التي تراقب هذه المشكلات تتراكم، في إنهاء العقود مع بلاك بيري. حتى فقد الجميع الرغبة في امتلاك هكذا هواتف عقيمة.
هل يمكن أن يحدث نفس الشيء لأبل؟
تحدث مثل هذه الاضطرابات في السوق طوال الوقت، على الرغم من ندرة حدوثها بشكل كبير كما حدث مع بلاك بيري. ويبدو أن موقف آبل آمن في الوقت الحالي. ولا تزال تحرز نمواً وتقدماً مشهوداً ولا يكاد يمر يوم إلا ونجد ارتفاعًا كبيراً في الطلب على أجهزة أبل، وتعد منصة أبل هي الأكثر تنوعًا مما كانت عليه منصة بلاك بيري.
لم يكن أحد من مستخدمي بلاك بيري أو حتى الشركة نفسها كانت تعلم بأن الآي-فون قادم، فنرى أن أبل قد بدأت أيضًا في نسخ بعض أخطاء بلاك بيري، مثل رفض إجراء أي تغييرات جوهرية على تصميمات هواتفها. وفي حالة حدوث اضطراب تقني جديد آخر في الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية أو مع الأمن الرقمي ككل، فقد يؤثر على أبل. وبما أن بلاك بيري لم تكن تعلم بأن الآي-فون قادم، فكذلك نحن وآبل لا نعلم أن……. قادم.