صدق أو لا تصدق، الهاتف الذكي الذي تحمله في يدك كان أقوى من شبكة الحوسبة التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا والتي تم استخدامها لوضع الإنسان على سطح القمر في عام 1969، وبواسطة هاتفك الذكي تستطيع اجراء مكالمات وارسال رسائل فضلا عن ميزات أخرى مذهلة مثل اللعب وتشغيل الفيديوهات والتصوير والبث وغيرها من الميزات التي لا نستطيع سردها كاملة، ولكن كل الميزات التي تحصل عليها عبر الهاتف الذكي قد تتلاشى ويصبح الجهاز عديم الفائدة إذا لم يكن لديه بطارية قوية وقابلة للشحن يمكنها أن تدوم لفترة طويلة، ولكن لا تزال التقنية المستخدمة معيبة وتحتاج للتطوير.
بطاريات الليثيوم أيون
تم تطوير أول بطارية قابلة لإعادة الشحن من حمض الرصاص في عام 1859 من قبل الفيزيائي جاستون بلانتي، وفي العام 1980 طور العالم جون جودناف بطارية الكاثود أكسيد الكوبالت ليثيوم والتي تم تسويقها من قبل شركة سوني وتم استخدامها لبطاريات الهواتف المحمولة في عام 1991 ولإنجازه هذا حصل جودناف في أكتوبر على جائزة نوبل إلى جانب زميليه الكيميائيين إم ستانلي ويتينغهام وأكيرا يوشينو.
تعمل بطاريات الليثيوم أيون من خلال الجمع بين كاثود أكسيد الليثيوم (القطب الموجب) والأنود (القطب السالب) والإلكتروليت (الفاصل) المستخدم كموصل، عندما يتم شحن البطارية وتفريغها، تتحرك الأيونات بين الأقطاب الكهربائية وتولد طاقة يمكن للبطارية استخدامها بعد ذلك.
تنتج خمس شركات فقط في اليابان والصين وكوريا الجنوبية 62٪ من بطاريات الليثيوم أيون في العالم، نما الطلب بشكل كبير منذ عام 2015، عندما بدأت الصين في دفع إنتاج السيارات الكهربائية المحلية بقوة إلى جانب النمو العالمي المستمر لمبيعات الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمول.
وتصنع الصين حاليا 60٪ من المركبات الكهربائية في العالم، وتحاول تأمين السيطرة على الليثيوم، وهو معدن طبيعي وفير موجود في المياه المالحة ويتم إنتاجه في الغالب في أمريكا الجنوبية وتحديدا في بوليفيا وشيلي والأرجنتين.
دفعت شركة Tianqi Lithium الصينية العام الماضي 4 مليارات دولار مقابل حصة في شركة التعدين التشيلية Sociedad Química y Minera ، مما منحها فعليا السيطرة على نصف الإنتاج العالمي من الليثيوم، والصناعة التي تركز عليها شركة Tianqi هي سوق بطاريات الليثيوم أيون، والذي من المتوقع أن يزداد حجمه من 33 مليار دولار في عام 2018 إلى أكثر من 73 مليار دولار بحلول عام 2024 وفقا لشركة أبحاث السوق Global Market Insights.
عيوب بطاريات الليثيوم أيون
الليثيوم (يُطلق عليه الذهب الأبيض) يعتبر عنصر نشط كيميائيا مقارنة بالعناصر الأخرى، وفي أمريكا الجنوبية، التي تنتج غالبية الليثيوم في العالم، يتم استخراج الذهب الأبيض من المسطحات الملحية لكن الطريقة المستخدمة كثيفة الإستهلاك للمياه في واحدة من أكثر المناطق القاحلة في العالم، أما الكوبالت، وهو معدن آخر مطلوب في إنتاج البطاريات، وموجود بشكل شبه حصري في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيتم تعدينه من خلال ممارسات غير آمنة، ويشمل ذلك استخدام الأطفال كعمالة لإستخراج الكوبالت.
علاوة على ذلك، تعد بطاريات الليثيوم أيون حاليا باهظة الثمن بحيث لا يمكن إعادة تدويرها، مما يعني أنها غالبا ما ينتهي بها الأمر في مقالب القمامة، ويتخلص الأمريكيون من حوالي ملياري بطارية ليثيوم أيون كل عام، ومع ذلك، هناك مشاريع في السويد واليابان بدأت في إعادة تدوير بطاريات السيارات الكهربائية التي لا يزال بإمكانها الاحتفاظ بنسبة 70 ٪ من شحنتها حتى بعد عدة سنوات من الاستخدام.
وعلى الرغم من الارتفاع السريع في الطلب عليها، فإن بطاريات الليثيوم أيون لها عيوب أخرى، مثل قضايا السلامة والإضرار بالبيئة، لأن الليثيوم أيون مادة غير مستقرة بطبيعتها وهذا يعني أنها قد تنفجر عند تلفها أو تعرضها للحرارة العالية، ووفقا لإدارة الحرائق الأمريكية، تسببت البطاريات في 195 حريقا وانفجارا بين عامي 2009 و 2017، بما في ذلك المشكلات البارزة التي واجهها هاتف سامسونج جالاكسي نوت 7 في العام 2016.
حلول بديلة
يحاول بعض الباحثين والتقنيين مواجهة هذه التحديات وعيوب بطاريات الليثيوم أيون حتى الآن، بينما يعمل آخرون على عملية التطور البطيئة لإيجاد بديل لليثيوم أيون حيث يتم تطوير كل من الأمونيا والمغنيسيوم والصوديوم في الوقت الحالي وكلها لها عيوبها، بما في ذلك الاحتفاظ بالطاقة المنخفضة وتقلب المواد.
يقول جارفيس تو، نائب الرئيس التنفيذي للتسويق والمنتجات في شركة Enevate Corporation، وهي شركة لبطاريات الليثيوم أيون مقرها في إيرفين، كاليفورنيا “هناك تقنيتان أساسيتان للبطاريات تُظهران قدرات مذهلة لصناعة السيارات الكهربائية على مدار العقد المقبل” ويقول تو إنه مهتم بتطوير الأنودات المهيمنة على السيليكون، وهي مادة نشطة يمكنها تخزين الليثيوم، ولها موصلية كهربائية عالية.
التطور الرئيسي الآخر هو تقليل الكوبالت أو إزالته، والذي يشكل حاليا 20 ٪ من تكلفة المواد المستخدمة في بطارية ليثيوم أيون عادية، وارتفع سعر الكوبالت من 20 ألف دولار للطن المتري في عام 2016 إلى حوالي 80 ألف دولار اليوم، لذا إزالة الكوبالت هو المفتاح لخفض تكلفة بطاريات الليثيوم أيون، ولهذا تعمل كلا من باناسونيك وتيسلا على إزالة الكوبالت من بطارياتهما.
يقول تو “يمكن لتقنيات الكاثود منخفضة الكوبالت أو الخالية من الكوبالت أن تساعد في الاستمرار في خفض تكلفة بطاريات السيارات الكهربائية للحصول على مركبات كهربائية ميسورة التكلفة ومعتمدة بشكل أسرع، حيث تستمر الكاثودات في كونها المكون الأعلى تكلفة داخل خلية أيون الليثيوم اليوم ويمكن لتقنيات الأنود المهيمنة على السيليكون أن تقدم إمكانات شحن سريعة جدا إلى جانب كثافات عالية للطاقة ومزايا أمان”.
نجحت فرق البحث في استكشاف استخدام أقطاب أكسيد الكروم المغنيسيوم والأسلاك النانوية الذهبية لاستبدال الكوبالت الذي تصنع منه الكاثودات عادة، بالإضافة إلى البطاريات “القابلة لإعادة الملء” التي يمكن تجديد الإلكتروليت فيها، ويمكن لمحطة الطاقة المستقبلية على جانب الطريق أن تعيد ملء سيارتك الكهربائية بإلكتروليت جديد عند الحاجة، مما يزيل قلق النطاق الذي يمثل حاليا مشكلة رئيسية لمركبات بطاريات الليثيوم أيون.
يقول بيل راي، المسئول عن قطاع أشباه الموصلات والإلكترونيات في شركة أبحاث السوق جارتنر، إن رغوة النحاس يمكن أن تحل محل الليثيوم أيون في أقل من خمس سنوات، وهي قريبة من الإنتاج، ومع وجود أنود أكبر، مما يعني أنه يمكن شحنها بسرعة كبيرة، وهذا بالطبع ما يريده المستهلكون.”
تقوم العديد من الشركات، بما في ذلك فورد، بتطوير بطاريات الحالة الصلبة، والتي تعمل عن طريق استبدال فاصل الإلكتروليت السائل بمادة صلبة، ويتم البحث عن مجموعة من المواد المحتملة بما في ذلك المواد البلورية الجديدة و السيليكون متعدد البلورات LTPS، وموصل هيدريد الليثيوم الفائق الأيونية، والإلكتروليت الخزفي.
تقنيات مستقبلية
يمكن أن ينتج عن استخدام المواد الصلبة بطارية ذات سعة أعلى مع تقليل مخاطر نشوب حريق أو انفجار، على الرغم من أن هذه المواد بعيدة عن الإنتاج السائد، كما أنشأت المختبرات الفيدرالية السويسرية لعلوم وتكنولوجيا المواد وجامعة جنيف أيضا نموذجا أوليا جديدا للبطارية يُعرف باسم “الحالة الصلبة بالكامل”، هذه البطارية لديها القدرة على أن تكون أكثر كفاءة من الليثيوم أيون، ولها قدرات أكبر، وتوفر مستويات عالية من الأمان.
“إذا كان بإمكانك إتقان شحن لاسلكي موثوق به عبر متر واحد، فإن تقنية البطارية نفسها تصبح أقل أهمية بكثير.” يقول سفين شولز ، الرئيس التنفيذي لشركة AKASOL الألمانية للبطاريات عالية الأداء: “على الرغم من وجود تجارب أولى جارية مع أنظمة بطاريات الحالة الصلبة ، فإن تقنية الحالة الصلبة حاليًا لها عيوب من حيث التكنولوجيا والسعر”.
ويتوقع أن تدخل بطاريات الحالة الصلبة السوق بحلول عام 2030، على الرغم من أنه يعتقد أن بطاريات الليثيوم أيون ستظل الخيار الأفضل على الأقل خلال السنوات العشر القادمة لأنه في حين أن تطوير تقنية أيونات الليثيوم ليس عملية ثورية، فإنه يتحسن خطوة بخطوة بنسبة 2٪ إلى 5٪ سنويا، إن التمسك بهذه التكنولوجيا حتى ظهور تقنية تجريبية جديدة هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله”.
على المدى الطويل، لدى بعض الخبراء رؤية مختلفة تماما لمستقبل طاقة البطارية، يقول راي إنه من المتوقع أن يصبح الشحن التعريفي اللاسلكي أو الداخلي، عبر وسادة في المرآب أو الشارع أو ساحة انتظار السيارات في المدينة أمرا شائعا.
ويضيف “في الوقت الحالي، لا يعد الشحن اللاسلكي حقا أفضل من الشحن باستخدام كابل، إذا كان بإمكانك إتقان شحن لاسلكي موثوق به عبر متر واحد، فإن تقنية البطارية نفسها تصبح أقل أهمية بكثير، جهازك يعتمد باستمرار على الشحن”.
يتوقع البعض في صناعة الطاقة أن تخزين الطاقة المحلية، مثل Tesla’s Powerwall، سيصبح قياسيا حيث تحتوي الوحدات على بطاريات ليثيوم أيون قابلة لإعادة الشحن يمكنها تخزين 13.5 كيلو وات في الساعة من الكهرباء، وهو ما يكفي لتشغيل منزل متوسط الحجم ليوم واحد، من المرجح أن ينمو الطلب حيث تم تجهيز المزيد من المنازل بألواح شمسية وتوربينات رياح، وتحتاج إلى تخزين هذه الطاقة.
أخيرا، مع ازدياد اعتمادنا على أنواع مختلفة من البطاريات، سيزداد الحافز التجاري لاستكشاف حلول جديدة وأكثر موثوقية وفعالية، ولهذا نحن بحاجة إلى الحصول على المزيد من الخبرة في الكيمياء والفيزياء والهندسة وعلوم المواد لكي نتحد معا ومن الأهمية بمكان أن يكون لدينا موجة تعاونية هائلة تعالج تحديات تطوير تقنيات بطاريات جديدة.